مؤامرة اغتيال هتلر
الرافضون لسياسة الحرب وضعوا له قنبلة تحت المنضدة للتخلص منه!
يتعجب دارس التاريخ من بعض الظواهر التي تظهر علي صفحة الحياة، وتفرض إرادتها علي الناس، ويذعنون لها، رغم معرفتهم بالنهاية المأساوية التي سوف تجرهم إليها.. ومن هذه الظواهر ظهور أدولف هتلر علي سطح الحياة السياسية الألمانية، وإمساكه زمام الأمور في يده وإعلانه أن ألمانيا فوق الجميع وأن الشعب الألماني هو أرقي شعوب الأرض.
وكان هتلر متأثرا بأدائه تلك في عظمة ألمانيا، وأنها فوق الجميع بفلسفة الفيلسوف الألماني الشهير فردريك نيتشه الذي كان ينادي بفلسفة القوة ونبذ الضعف، وألف كتابا شهيرا (هكذا تكلم زرادشت).. الذي يحكي فيه حكاية الانسان الذي يتفوق فيه علي نفسه، والذي يعتبر نفسه فوق الآخرين.. فهم في نظره مجرد عبيد أو مخلوفات تافهة مفروض أن تكون في خدمة الأقوياء.
ورغم أن هذا الفيلسوف الألماني نيتشه انتهت حياته بالجنون، إلا أن حديثه عن القوة.. وفلسفة القوة.. وأنه لامكان للضعفاء والمساكين في مجتمع الأقوياء.. قد بهرت هتلر، وحاول أن يجعل ألمانيا فوق الجميع، وأن الجنس الألماني هو أرقي الأجناس وخاصة أنه بدعوته هذه، قد جعل الشعب الألماني يلتف حوله، لما شعر به من كبرياء جريحة بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولي، وما فرض عليها عقب هذه الحرب من عقوبات، جعلت الشعب الألماني يشعر بالمهانة.. خاصة بعد انتشار الفقر والتضخم الاقتصادي، والبطالة.
لقد شعر الألمان أن معاهدة الصلح في فرساي معاهدة ظالمة، وبات الشعب الألماني يلتمس طريقه للخلاص واستعادة الثقة بنفسها.
***
وجاء هتلر ليعلن مايدغدغ به حماس الشعب الألماني، واستطاع بحزبه النازي أن يسيطر علي الأمور، ويتولي مقاليد الحكم، ويحكم ألمانيا بيد من حديد، وأخذ يتحدث عن الوحدة الألمانية، وأن المانيا تسعي إلي ايجاد مجال حيوي لها.. ونظر ليري ردود الأقوال أزاء ما يلقيه من خطب نارية تؤجج في الشباب الألماني نزعة التفوق علي الأخرين، ولكن الغرب كان يخشي قوة ألمانيا العسكرية الصاعدة.. فاثر الصمت.. ومن هنا تجرأ هتلر وأخذ يستعيد الأجزاء التي كانت قد انفصلت عن ألمانيا، وفتح ذلك شهية القوة إلي التهام الدول المجاورة، ثم شعوره بأن في مقدوره أن يهيمن علي العالم، وأن يفرض إرادته عليه، وأنه ليس هناك قوة تستطيع أن تقف ضد طموحاته وتوسعاته، وأنه قادر علي أن يجعل الآخرين يجيئون تحت أقدامه، رغم أن هذه الدول الاخري، تملك مستعمرات عديدة في أسيا وافريقيا كانجلترا وفرنسا، أو تملك أرضا بالغة الاتساع كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي!
***
واندلعت الحرب العالمية الثانية..
واستطاعت الجيوش الألمانية أن تكتسح أمامها جيوش الدول المجاورة.. وقد شجعه في أول الأمر 'ستالين' علي أساس أن المانيا بتحرشها بالغرب، سوف تفتح الطريق للشيوعية للانتشار في العالم.. وبذلك عقد معاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا سنة 1939، وبالتالي أتاحت له هذه المعاهدة حرية الحركة هو الآخر ليلتهم دول البلطيق!
***
وشعر الغرب بالخطر.
وشعر بضرورة مواجهة الخطر الألماني..
وبدأ مجابهة جيوش الحلفاء، لجيوش النازية، واشتعلت أوزار الحرب العالمية الثانية.. التي بدأت بالفعل عندما هاجمت ألمانيا بولونيا..
وقد شعر بعض الألمان، أن محاربة المانيا في جبهات عديدة، سوف يسبب الخراب لألمانيا وانه اذا كان وراء هذه الحرب رغبة هتلر ورفاقه في السيطرة علي العالم، فإن ذلك سيجر البلاء علي ألمانيا، ومن هنا فكر البعض في التخلص من هتلر نفسه، ليضعوا حدا لما يجري من تدمير وقتل وخراب في العالم، ولما سوف يجري لألمانيا نفسها من قتل وتدمير وخراب، لأنه من الصعب أن تواجه العالم كله.
ولكن كيف حدثت هذه المؤامرة؟
وكيف انتهت؟
يحدثنا مؤلف كتاب الحرب العالمية الثانية رمضان لاوند.. عن أحداث هذه الحرب، وتطورها.. إلي أن شملت العالم.
وقبل أن يتحدث عن هذه المؤامرة علي هتلر مؤامرة 20 تموز، يحدثنا عن القنبلة الطائرة التي اخترعتها ألمانيا، وهددت بها عواصم الدول المناوئة لها يقول:
والواقع أن هذه القنبلة كانت عبارة عن طائرة نفاثة لاقائد لها في مقدمتها مجموعة من المتفجرات وزنها ألف جرام، كانت تطير علي ارتفاع ألف متر بسرعة 600 كيلو في الساعة أقصي هدف لها علي بعد 400 كيلو متر، وهي تستطيع بلوغ أهداف واسعة كمدينة لندن، وأطلق الألمان مائة منها في كل يوم خلال أشهر الصيف الثلاثة، وصل منها إلي العاصمة الانجليزية 2400 وقتل بسببها 8416 شخصا، وجرح 17981، وأحدثت خسائر كبيرة، ولكنها لم تستطع تحطيم معنويات الشعب الانجليزي ويقول المؤلف ما ملخصه أن الألمان اخترعوا (القنبلة ف 2).. وقد استطاعت هذه القنابل أن تقتل في لندن 2724 شخصا ويخرج 6467 شخصا أخر، وهكذا بلغ عدد ضحايا القنبلتين ف 1، ف 2 35 ألفا.. وعندما أطلق هذه القنابل نفسها علي بعض المدن الأخري أحدثت عددا كبيرا من القتلي والجرحي.
***
وعن المؤامرة لاغتيال هتلر يقول:
في ألمانيا رجال يملكون اسلحة انتقامية، ولكن هذه الأسلحة وجهت ضد هتلر، هؤلاء الرجال هم فئة من الوزراء القدامي والموظفين والاشتراكيين الديمقراطيين، والمثقفين، والشخصيات الدينية.. الخ.. كل الأجنحة السياسية كانت ممثلة في هؤلاء الرجال المعارضين، ابتداء من المحافظين منهم حتي. الراديكاليين.. لقد كانوا يعارضون هتلر لأسباب كثيرة، منهم من كانت معارضته لأسباب اعتقادية ووطنية، ومنهم لأسباب انتهازية أو تافهة، ولكن الفئة الكبري من هؤلاء المعارضين كانت تنتسب إلي طبقة ضباط الجيش وأركان حربه.
لقد أدرك بعض هؤلاء الضباط منذ انتصار النازية بأن الجيش لن يكون أكثر من أداة في خدمة هتلر، وقد ساروا وراءه في أيام النصر، ولكنهم لم يكادوا يشعرون باقتراب الكارثة حتي بدأوا يتأمرون عليه. وقد كانوا يظنون أن في وسعهم إيقاف هذه الحرب بعد القضاء علي هتلر والزعماء النازيين الآخرين، ثم الدخول في مفاوضات صلح مع الحلفاء قبل أن يخسروا كل شيء.
من الذين كانوا يشرفون علي المؤامرة اللواء (لودفيك بك) رئيس أركان حرب قديم، وكارل جوردلر محافظ سابق لمدينة لينبرج.. الرجل الذي اختير لقتل هتلر هو الزعيم الشاب كلوس فون ليزيج أحد أحفاد ألمع العائلات الألمانية العسكرية، وقد فقد في حرب افريقيا احدي ذراعيه وثلاث أصابع من اليد الأخري، وأصيب في إحدي عينيه، وكان من الأشخاص النادرين الذين يستطيعون الاقتراب من هتلر بحكم مهماتهم اليومية.
مرتان تراجع هذا الضابط عن قتل هتلر بسبب غياب جورنج وهملر، لأن المتأمرين كانوا يريدون التخلص من هؤلاء الثلاثة مرة واحدة.
وقام شوفنبرج بمحاولته الثالثة خلال مؤتمر عقد في مقر هتلر في 20 تموز، فوضع قنبلة عند قدمي هتلر تحت المنضدة، وداخل حقيبة صغيرة.
وقد شاهدها ضابط آخر فأبعدها عن هتلر، ثم وضعها عند قائمة من قوائم منضدة المؤتمر.
هذه القائمة والمنضدة الثقيلة أنقذتا هتلر من الموت.
يضاف إلي ذلك أن المؤتمر قد عقد في بناء خشبي بسبب حرارة الجو فخفف ضغط الانفجار. وقد قتل علي الأقل أربعة ضباط، وجرح عشرون، أما هتلر فقد أصيب بجراح خفيفة.
علي أنه لم يتماثل من عنف الصدمة بعد ذلك أبدا.
ومنذ ذلك اليوم أصبح هتلر يعتقد أنه موفد العناية الألهية لإنقاذ المانيا. وقد بلغ من إعجابه بنفسه وإشفاقه عليها أنه بات يعتقد بأن ألمانيا ليست جديرة به. ولم يطل الأمر بهتلر، فقد سحق المؤامرة والمتآمرين، وقام بعملية تصفية واسعة بلغت درجة بعيدة من القسوة الدامية.
ويقدر العارفون بأن عدد الذين أعدموا بسبب هذه المؤامرة قد بلغ 4500 شخص.
ويقرر (آلان دالي) أن ألوفا من الرجال لوحقوا واعتقلوا وعذبوا لكي يبقي تاريخ الألف عام 290 يوما آخر!
مراجع
الحرب العالمية الثانية.. عرض مصور تأليف ابو تريكه